ترجمة / المدى
قالت قوات الدعم السريع السودانية، أمس الأحد، إنها سيطرت على مقر الجيش في الفاشر، آخر مركز حضري رئيسي في إقليم دارفور الغربي خارج سيطرتها، حيث لجأت إلى استخدام المرتزقة للاستيلاء على الفاشر، التي تتعرض للحصار منذ أكثر من 500 يوم.
وفي بيان، اتهمت المقاومة الشعبية – المقاتلون المحليون المتحالفون مع الجيش – قوات الدعم السريع بـ “حملة إعلامية متزايدة من التضليل” تهدف إلى تقويض الروح المعنوية، وإيحاءٍ أن “دخول مقر الفرقة يعني سقوط الفاشر.” وأضافت المجموعة أن السكان ما زالوا “يقاومون في وجه الميليشيات الإرهابية.” وقد أعربت الأمم المتحدة عن قلقها من احتمال وقوع مجازر في الفاشر ضد المجتمعات غير العربية، مماثلة لتلك التي حدثت بعد استيلاء قوات الدعم السريع على مخيم زمزم القريب في نيسان / أبريل الماضي. دخل السودان عامه الثاني تقريبًا في حرب أهلية دموية بين الجيش وقوات الدعم السريع.
وقد أدت الحرب إلى واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في التاريخ الحديث، وفق مسؤولين أمميين: فقد قُتل 150 ألف شخص، وتم اختطاف النساء والفتيات واغتصابهن، وأُجبر ما يقرب من 13 مليون شخص على الفرار من منازلهم، في أسوأ أزمة نزوح في العالم. ويظل حوالي 260 ألف شخص محاصرين في الفاشر مع تكثيف قوات الدعم السريع جهودها للسيطرة على المدينة. ولم تدخل المساعدات المدينة المدمرة منذ ما يقرب من 18 شهراً، واضطر الأطفال إلى أكل الجراد وعلف الحيوانات.
هنا تم إرسال المرتزقة الكولومبيين للقتال إلى جانب قوات الدعم السريع للاستيلاء على المدينة. وقال كارلوس، أحد المرتزقة الكولومبيين: “الحرب عمل تجاري.” ظهرت مشاركة المرتزقة أول مرة العام الماضي، عندما كشفت تحقيقات من وسيلة إعلامية مقرها بوغوتا، أن أكثر من 300 جندي سابق قد تم التعاقد معهم للقتال، ما دفع وزارة الخارجية الكولومبية لتقديم اعتذار غير مسبوق. لكن دور الكولومبيين تجاوز ساحة المعركة: فقد اعترف المقاتلون بتدريب الأطفال الجنود السودانيين، وصُوروا أثناء عملهم في مخيم زمزم، أكبر مخيم للنازحين في السودان.
وقال محمد خميس دودا، المتحدث باسم المخيم في دارفور، لصحيفة سودان تريبيون مؤخرًا: “لقد شهدنا بأعيننا جريمة مزدوجة: تهجير شعبنا على يد ميليشيا الدعم السريع، والآن احتلال المخيم بواسطة مرتزقة أجانب.” بدأت رحلة كارلوس بالفحوصات الطبية في بوغوتا، حيث وقع عقدًا براتب 2600 دولار شهريًا. وبعد ذلك سافر عبر أوروبا إلى إثيوبيا، ثم إلى قاعدة عسكرية في بوساسو بالصومال، حسب قوله. لاحقًا، نُقل إلى نيالا في السودان، المدينة التي أصبحت الآن مركزًا معروفًا للمرتزقة الكولومبيين. اعترف كارلوس، الذي طلب عدم ذكر اسمه الكامل، أن مهمته الأولى كانت تدريب المجندين السودانيين، معظمهم من الأطفال. وقال: “كانت المخيمات تضم آلاف المجندين، بعضهم بالغون، لكن معظمهم أطفال – الكثير والكثير من الأطفال. هؤلاء أطفال لم يحملوا سلاحًا من قبل. علمناهم كيفية استخدام البنادق الهجومية والرشاشات وقاذفات الأر بي جي، وبعد ذلك أُرسلوا إلى الجبهة. كنا ندربهم ليذهبوا ويُقتلوا.”
في نهاية المطاف، تم نشر وحدة كارلوس في الفاشر المحاصرة، أسوأ ساحات القتال في البلاد. وقد أقامت قوات الدعم السريع جدارًا بطول 20 ميلًا حول حدود المدينة ونفذت حكم الإعدام على من حاول الفرار. وقال الخبير في المرتزقة، شون مكفيت: “تصاعد استخدام المرتزقة الكولومبيين منذ عشرينيات القرن الحالي، عندما كان يتم دفع الأموال للجنود السابقين لحماية البنية التحتية النفطية في الإمارات. وتطور دورهم خلال الحرب في اليمن. أرسلت الإمارات عددًا كبيرًا من المرتزقة الكولومبيين لقتل الحوثيين، ونجحوا في ذلك.”
مرتزقة آخرون
مع ذلك، قال ضباط في الجيش السوداني لصحيفة التلغراف البريطانية إن الكولومبيين لم يقتصر دورهم على التدريب، بل كانوا أيضًا على الجبهات في دارفور وكردفان، حيث قاتلوا وقدموا مهارات متخصصة في تشغيل الطائرات بدون طيار والاتصالات والتشويش. وأضاف الضباط أن الكولومبيين لم يكونوا المرتزقة الوحيدين المستخدمين من قبل قوات الدعم السريع، إذ تم توظيف مسلحين من إثيوبيا وجنوب السودان أيضًا. وقال أحد ضباط الجيش السوداني في دارفور، أحمد سيف الدين: “لقد كان الكولومبيون قليلي الفعالية، وقد قُتل العديد منهم. فهم لا يفهمون تكتيكاتنا ولا يعرفون جغرافيا دارفور وطوبوغرافيتها. لهذا السبب قُتل عدد منهم. وقد استعدنا وثائق هوية كولومبية رسمية لإثبات ذلك.” وقال ضابط آخر، محمد علي: “المرتزقة الكولومبيون يقاتلون مع قوات الدعم السريع في السودان منذ العام الماضي وما زالوا هنا حتى الآن. لقد قتلناهم وأخذنا وثائقهم لإثبات أي قضية قانونية مستقبلية.” ودعت الحكومة السودانية أيضًا الحكومة الكولومبية والدول الإفريقية الصديقة إلى تثبيط مواطنيها عن القتال في السودان. وأضاف علي أن الحرب يمكن ان تتوقف فقط إذا ضمن المجتمع الدولي منع استخدام المرتزقة. من جانب آخر، وصف الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو ظاهرة المرتزقة بأنها “تجارة تحوّل الرجال إلى سلع للقتل”، متعهدًا بحظرها. لكنه أقرّ بأن الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها الجنود المتقاعدون تجعلهم عرضة للإغراء المالي. ويجبر الجيش الكولومبي جنوده المحترفين على التقاعد في سن الأربعين تقريبًا، بمعاشات زهيدة وفرص محدودة للتأهيل المهني، مما يدفعهم إلى الالتحاق بشركات أمنية خاصة. وتؤكد إليزابيث ديكنسون، كبيرة المحللين لشؤون كولومبيا في مجموعة الأزمات الدولية أن هذه الشركات لم تعد تكتفي بالمتقاعدين، بل باتت تجند جنودًا على رأس الخدمة من مناطق فقيرة، وتعرض عليهم آلاف الدولارات شهريًا عبر تطبيقات مثل واتساب. وعزى تقرير لصحيفة الغارديان ظاهرة المرتزقة إلى الصراع الداخلي الطويل الأمد في كولومبيا الذي خلّف فائضًا من المقاتلين ذوي الخبرة، حيث تلقّى كثيرون منهم تدريبًا على يد الجيش الأميركي، وتُعد بلادهم الواقعة في أميركا الجنوبية واحدة من أكبر مصدري المرتزقة.
ويقول الخبير الأميركي في شؤون المرتزقة شون مافيتي: “إنها أقدم مهنة في العالم. نحن نعود إلى زمن شبيه بالعصور الوسطى، حيث يمكن للأثرياء أن يمتلكوا جيوشًا خاصةً ويتصرفوا كقوى عظمى.” ويضيف أن اللجوء إلى المرتزقة يمنح الدول “إنكارًا معقولًا” يسمح لها بالتحايل على القانون الدولي وتجنب المساءلة عن الانتهاكات، “فعندما يُقبض على المرتزقة أو يُقتلون، يمكن ببساطة التنصل منهم.” وفي قلب هذه العودة القاتمة، يغدو السودان اليوم ساحة مأساوية تتقاطع فيها التجارة والدم، حيث تتحول الحروب إلى مشاريع ربحية، والأطفال إلى وقود لها. وحذرت أربع وكالات أممية يوم الخميس من أن آلاف الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية والمحاصرين في مدينة الفاشر يواجهون “خطر الموت الوشيك” في ظل انهيار الخدمات الصحية. حيث يتواجد هناك ما يزيد على 260 ألف مدني، نصفهم من الأطفال.
عن صحف ووكالات عالمية